الهشاشة النفسيّة!

يقولُ لي صديقي أحمد الذي زار طبيبين قلب وخمسة أطباء باطنية وعدد لا محدود من أطباء الأسرة وهو يحملُ تنهيدةً لا زالت تعلقُ في ذهني حتى الآن "تعبت"!

أحمد كان يشعر بنغزات في قلبه تارة وآلام في صدره تارةً أخرى ولا تزال الكوابيس تُطارده في كُل ليلة حتى ظنّ أنه مُلاقٍ حتفه لا ما حال مع أن الأطباء يُصرّون في كُل مرة بأن جميع الفحوصات سليمة ولا يوجد ما يدعو للقلق!

الحقيقة أن هذه النغزات والآلام وغيرها من الأعراض، هي كانت في الأساس عرض لمرضٍ خفي لم يتنبّه لهُ أيًا من هؤلاء الأطباء اللذين زارهم أحمد وهو مرض تسببت به "الهشاشة النفسية"!

يقولُ لي أحمد وقد انفرجت أساريره قليلًا بعد أن تمكّن من تجاوز تلك الذكريات السيّئة، بأن صديقًا قال له ذات مرة ما رأيك أن نتحدث مع طبيب نفسي لعلّنا نجد ضالتنا! رفضت في البداية ولكن وبعد أن تمكّن الأمرُ مني، سمعت نصيحته وذهبت للطبيب، حقيقة يا يوسف شعرتُ بعد ثالث جلسة مع الطبيب النفسي بأن جبل كجبلِ أُحد بدأ يتفكك وينزاح عن صدري! يا لها من حياة كنتُ أعيشُ فيها يا رجُل! 😅

مشكلة أحمد لم تكن من وحي الخيال، أو من قصص ألف ليلة وليلة، بل هي مشكلة العصر الحديث، وهي ما تُعرف باسم "الهشاشة النفسيّة"!

كان الطبيب قد شخّص صديقي أحمد بما يُعرف بمرض الخوف من الموت أو الخوف من المرض، فقد ظلت مُخيلة أحمد تقوده إلى أن مكروهً سيُصيبه لسبب أو آخر دون وجود سبب داعٍ لذلك!

مشكلة صديقي أحمد حسبما يروي لي بأنها كانت بسبب ما يشاهده في وسائل التواصل الاجتماعي والمُحيط الافتراضي الذي اختار أن يُحيط نفسه به، فتلك ضغطة زر عبر منصة اكس تدّعي بأن استخدام المايكرويف يُسبب السرطان، وهذه ومضة لثرثار في منصة سناب تشات تدّعي بأن أجسامنا مليئة بالسموم ولا يُمكن التخلص منها إلا عن طريق نفثة عجوز في أعالي جبال السروات!

الحقيقة أن الهشاشة النفسيّة قد تُصيب أي شخص منّا ولأي سبب كان، والمُلفت أنها كالقاتل المتسلّل لا تأتي صريحة في وضح النهار، بل تستبدل عباءتها في كُل مرّة حتى تغفل أنت وأغفل أنا عنها!

فسعادتها تأتي حينًا على هيئة خوفًا من المرض، وفي أحيانًا أخرى تأتي في هيئة قلق من فقدان وظيفة أو فقدان شخص عزيز أو حتى على هيئة نقصًا في ذاتك الواثقة أمام الآخرين!

إن ما يجب أن نُدركه ونحذر منهُ يا صديقي، بأن أيًا منا مُعرّض لاختبار هذا الشعور، ولتجنب ذلك، يجب أن تقوّي إيمانك بالله عز وجل أولًا، ثم تُدرك بأن وجودك في بيئة سلبية مُحبطة سواءً في حياتك اليومية أو في حياتك الافتراضية عبر منصات التواصل الاجتماعي هي أول مراحل موتك البطيء، ليس الموت الحقيقي بل فقدان شغفك وتوقف طموحك!

وكما تقول الكاتبة الهندية أرونداتي روي :" الحلم الوحيد الذي يستحق أن تحلم به، أن تعيش بينما أنت حيّ، ولا تموت إلا حين تموت"!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!