أبو العرّيف!

 في مجلس عيد الأضحى الفائت، أخذ الشاب عُمر الذي انهى للتو مرحلته الثانوية دفّة الحديث لشرح حيرته في اختيار التخصص المناسب له في الجامعة، هل يذهب لكلية صحية أم كلية الهندسة أم يلتحق بكلية الملك فهد الأمنية للضباط؟

أخذت الأصوات تتعالى في المجلس، بين مؤيد لتخصص الطب ومُعارض لفكرة الالتحاق بكلية الهندسة وبين من يُصر بأن التحاقه بكلية الضباط هو شرف لن يحظى به إلا القليل من الناس!

ما إن أنهى عُمر حديثه، وظفر بعدد لا محدود من الآراء التي زادت من حيرته، حتى بدأ العم عبدالله بالحديث عن عدم انتظام السُكر لديه، ليحظى هو الآخر بعدد لا محدود من الوصفات الطبية، منهم من قال عليك بشراب الزنجبيل في الصباح الباكر، ومنهم من أدعى بالأثر العظيم لأبر المونجارو في ضبط مستويات سكر الدم وهكذا حتى أنفضّ المجلس وغادر الحضور ولا زال عُمر في حيرته والعم عبدالله غارق في سُكّره!

الحقيقة يا صديقي أن ذلك هو ديدن جميع شعوب العالم، فهذا صديقي الحلاق الباكستاني شكيل داتا، الذي أعرفه مُنذ ما يُقارب الخمسة عشر عامًا، لا زال يرشدني في كُل مرّة إلى وصفات لمنع تساقط الشعر تارة ووصفات لإنقاص الوزن تارةً أخرى، مع أن شكيل قد أخبرني قبل فترة بأن الطبيب الذي أضطر لزيارته مؤخرًا كان قد شخّصه بمرض السُمنة من الدرجة الثانية!

أما خالتي عائشة -والتي نالت شرف أوّل خريجة جامعية في العائلة- لا تبرح تُرسل وصفاتها القيّمة في قروب العائلة وذلك للقضاء على الشيخوخة وتجديد الشباب دون ملل وكأنه أكسير الحياة المفقود والذي يبحث عنه العالم أجمع!

في الواقع يا صديقي بأن الجميع يدّعي الفضيلة ويُسدي النصائح سواءً في حياتك الواقعية، على منصة X أو عبر تطبيق سناب تشات وحتى في صالونات الحلاقة!

‏الكل يدّعي بأن لديه ما يكفي من التجربة والخبرات التي ستنقذك من فشل تجربتك في الحياة، ولكن أصدق إنسان وأقرب شخص سوف يُساعدك على ذلك هو عقلك ونفسك، أصغِ لهم جيّدًا، خُض تجربتك في الحياة وأصنع عالمك الذي تُحب ولا تتوانَ في تجربة كل جديد وخوض المزيد من التجارب التي يرغب عقلك وجسدك في خوضها، حتى تكتشف ذاتك ويزداد نضجك وتزدهر تجربتك وتكتمل رحلتك في الحياة!

هذا لا يعني بالضرورة إقصاء جميع الآراء ووجهات النظر، ولكن لا تثق بكل الآراء وتتخذها دستورًا كما لو كانت نصًا قرآنيًا لا تشوبه شائبة ولا يُعكرّهُ نقص ولكن انتق من تستشيره بعناية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!