المشاركات

عرض المشاركات من 2024

انتقِ حرفك!

يأسِرُنيّ الأدب بكافّة صورهِ، في الفعل والأمر والطلب وحتى السؤال! قدِم عُمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه في وقت مُتأخر من الليل على أمّ كانت قد اشعلت نارًا لتطهوَ طعامًا يُسكتُ جوع صغارها، فلما رآها الفاروق ذهب إليها ليستفسر عن سبب إشعال النار في هذا الوقت المتأخر قائلًا:" السلام عليكم يا أهل الضوء" ولم يقل يا أهل النار، حيثُ لم يُسمَي النار نارًا حرصًا منهُ رضي الله عنه بأن لا ينسب النار لهم، في تجلٍ مُذهل لرقّة العبارة وسموّ الأخلاق. وهذانِ أحفادِ رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحسن والحسين" رضي الله عنهما قد دخلوا المسجد على مُسنّ كان لا يُحسنُ الوضوء، ومن أدبهم أنهما لم يقولا له افعل هذا وأترك ذاك، بل عمِدوا لأن يخاطبونه بكُل أدب قائلين ما رأيك أن تكون حكمًا بيننا فيمن يُحسن فينا الوضوء؟ فشرِعا رضيّ الله عنهما في الوضوء حتى انتهيا منه وقد وصلت الرسالة للرجل المُسنّ عندما قال بل أنكما تُحسنان الوضوء أكثر مني، وصلت الرسالة بأعلى أساليب الأدب ووفق التربية والضوابط المُحمّديّة! أما خالي إبراهيم -رحمه الله- فقد تعلّمت منه شيئًا لا زلتُ أمارسه في حياتي حتى يومنا هذا، وهو ا...

أبو العرّيف!

 في مجلس عيد الأضحى الفائت، أخذ الشاب عُمر الذي انهى للتو مرحلته الثانوية دفّة الحديث لشرح حيرته في اختيار التخصص المناسب له في الجامعة، هل يذهب لكلية صحية أم كلية الهندسة أم يلتحق بكلية الملك فهد الأمنية للضباط؟ أخذت الأصوات تتعالى في المجلس، بين مؤيد لتخصص الطب ومُعارض لفكرة الالتحاق بكلية الهندسة وبين من يُصر بأن التحاقه بكلية الضباط هو شرف لن يحظى بهِ إلا ثُلّة قليلة من الناس! ما إن أنهى عُمر حديثه، وظفر بعدد لا محدود من الآراء التي زادت من حيرته، حتى بدأ العم عبدالله بالحديث عن عدم انتظام السُكر لديه، ليحظى هو الآخر بعدد لا محدود من الوصفات الطبية، منهم من قال عليك بشراب الزنجبيل في الصباح الباكر، ومنهم من أدعى بالأثر العظيم لأبر المونجارو في ضبط مستويات سكر الدم وهكذا حتى أنفضّ المجلس وغادر الحضور ولا زال عُمر في حيرته والعم عبدالله غارق في سُكّره! الحقيقة يا صديقي أن ذلك هو ديدن جميع شعوب العالم، فهذا صديقي الحلاق الباكستاني شكيل داتا، الذي أعرفه مُنذ ما يُقارب الخمسة عشر عامًا، لا زال يرشدني في كُل مرّة إلى وصفات لمنع تساقط الشعر تارة ووصفات لإنقاص الوزن تارةً أخرى، مع أن ش...

الهشاشة النفسيّة!

يقولُ لي صديقي أحمد الذي زار طبيبين قلب وخمسة أطباء باطنية وعدد لا محدود من أطباء الأسرة وهو يحملُ تنهيدةً لا زالت تعلقُ في ذهني حتى الآن "تعبت"! أحمد كان يشعر بنغزات في قلبه تارة وآلام في صدره تارةً أخرى ولا تزال الكوابيس تُطارده في كُل ليلة حتى ظنّ أنه مُلاقٍ حتفه لا ما حال مع أن الأطباء يُصرّون في كُل مرة بأن جميع الفحوصات سليمة ولا يوجد ما يدعو للقلق! الحقيقة أن هذه النغزات والآلام وغيرها من الأعراض، هي كانت في الأساس عرض لمرضٍ خفي لم يتنبّه لهُ أيًا من هؤلاء الأطباء اللذين زارهم أحمد وهو مرض تسببت به "الهشاشة النفسية"! يقولُ لي أحمد وقد انفرجت أساريره قليلًا بعد أن تمكّن من تجاوز تلك الذكريات السيّئة، بأن صديقًا قال له ذات مرة ما رأيك أن نتحدث مع طبيب نفسي لعلّنا نجد ضالتنا! رفضت في البداية ولكن وبعد أن تمكّن الأمرُ مني، سمعت نصيحته وذهبت للطبيب، حقيقة يا يوسف شعرتُ بعد ثالث جلسة مع الطبيب النفسي بأن جبل كجبلِ أُحد بدأ يتفكك وينزاح عن صدري! يا لها من حياة كنتُ أعيشُ فيها يا رجُل! 😅 مشكلة أحمد لم تكن من وحي الخيال، أو من قصص ألف ليلة وليلة، بل هي مشكلة العصر ال...