المشاركات

عرض المشاركات من 2021

ثُمّ ماذا ؟

 قضيتُ ردحًا من الزمن أتوقُ لاقتناء سيارة من نوع مرسيدس، لذا فقد عمِلتُ كساعٍ للبريد عندما بلغتُ الثامنة عشر، ثم انتقلت لمدينة الرياض للعمل في عدد لا محدود من الوظائف بهدف اكتساب المزيد من الخبرة في إدارة المطاعم قبل أن أفتتح مطعمي الخاص لبيع الحنيذ والأكلات الجنوبية، والآن أنا امتلك السيارة التي حلمتُ بها ولكنّي فقدتُ معها مُتعةً لا تُضاهيها مُتعة، مُتعة الوصول لحلم شراء السيارة! هذا ما قاله لي صديقي الجنوبيّ أحمد مغاوي ونحنُ نستقلُّ سيارته الفارهه لحضور أحد المناسبات في مدينة الدمام. كلمات أحمد هذه انسابت لأعماق نفسي، وكأنه يتحدث بلسان الكثير منّا! فكم هدف حلمنا به وعند الوصول إليه أصابنا الملل والفراغ مُجددًا! ولو تأملّت حياتك يا صديقي، ستجد أنك مررت بتجربة مُشابهه إلى حدٍ كبير، قد تكون حصلت على الوظيفة التي تطمحُ لها، أو تخرجت من الجامعة التي حلمتَ بها  أو حتى فتحت مشروعك الخاص الذي طالما رافقك إلى سرير نومك كُل ليلة، ثم تبادر لذهنك ذات السؤال، ثم ماذا ؟! الحقيقة أن ذلك هي طبيعة البشر، بل والدافع الرئيسي لتحقيق المزيد من الانجازات والنجاحات، فمن غير المنطقي أن نتوقف عند أول محطة نج

كُن لطيفًا!

 علينا أن نتفق بأن الأسلوب اللبِق يجلُب الخير على الدوام، والكلمةُ الطيبة أقربُ طريقًا للوصول إلى قلوب الآخرين. فإنك -مثلًا- لو أردت أن تأمُر أحدًا بشيء قد تجد إعراضًا ورفضًا منه، في حين أنك سترى قبولًا وانصياعًا مختلفًا تمامًا عندما تطلبُ منه ذلك مع بِضعُ كلماتٍ ليّنه. أذكر خلال جائحة كورونا التي مرّت بالعالم في عام ٢٠٢٠، كنتُ أرى أشخاصًا لا تلتزم بارتداء الكمامة -التي كانت إجبارية وقتها لتقليل فرص انتقال العدوى-، بدايةً كنت أقول للشخص ارتدِ الكمامة فإما أن يُجيبني بفضاضه " مين اللي عينك مسؤول عن الآخرين؟ " أو يلوحُ بيدهِ مضطجرًا رافضًا طلبي! بعد زمن قصير أدركت بأن أسلوبي لم يكن لطيفًا بقدرٍ كافٍ لإقناعه، فأصبحت عندما أرى أحدهم لم يرتدي الكمامة في ذلك اليوم، أقوُل له جُمل مثل " يبدو وجهك اليوم مشرقًا  يا بو فلان" أو " اشتقنا لرؤية هذه الابتسامة " يضحك مباشرةً ويبحث عن كمامته ليرتديها! لا شيء تغيّر غير اللين في التعامل، والنتيجه هي تحقيق رضا جميع الأطراف. ولا شك بأن الكلمة الطيبه والأسلوب اللطيف يبعثان الطمأنينة في النفوس والشعور بالرضا نحو الآخرين، ويخلُق

جميعُنا نُخطأ!

 هل شعرت يومًا بالإمتنان لأستاذ الرياضيات عندما تغاضى عن عقابك بسبب عدم حلّكِ للواجب؟ وهل شعرتَ يومًا بفرحةٍ عارمة ورغبةً مُلحّة بشكر رجل الأمن بكل جوارحك عندما تجاوز عن تحرير مخالفة قطعك للإشارة الحمراء؟ ذلك هو شعور كُلُ واحدًا منّا عندما يغضُ أحدهم الطرف عن أخطائنا، فالإنسان بطبيعته لا يقبل بأي شكل لوم الآخرين له! وعليك أن تُدرك حقيقة أن لوم الآخرين على أخطائهم لن تكون حلًا للمشكلة، بل أنها ستتسبب في تفاقمها دائمًا. يقول ليفينجستون لارند في مقالته الشهيره 'الأب يسامح' :" بدلًا من إدانة الآخرين، علينا محاولة فهمهم، ومحاولة معرفة الدافع وراء ما يفعلونه، فهذا أكثر فائدة من النقد، وهو ما يؤدي إلى التعاطف والتسامح مع الآخرين". والحقيقة أنك عندما تحتوي أخطاء الآخرين وتبحث معهم عن حلًا للمشكلة بدلًا من لومهم عليها، ستُلاحظ بأن الطرف الآخر يعترف بخطأه ويُقدّر لك بطريقةٍ أو أخرى عدم لومه. قبل ما يُقارب الاثنيّ عشرة سنة تعرضت لحادث سير 'خلال عودتي من المدرسة' ما أدّى لضرر كبير في مقدمة السيارة، كنتُ خائفًا جدًا حينها من تأنيب خالي حتى أنني كنتُ انتظر عودته من عمله وأن

الشخص الاستثنائي!

 كان خالي إبراهيم رجُلًا عظيمًا أتكِأ عليه كُلما شعرت بالخوف، كنتُ أهرب من الحياة لحضنه وأشعر بأن الخوف لا وجود لهُ في الكون، كان خالي استثنائي لدرجة أعتقدت بأن الحياة لن تجود بشخصٍ مثله. وهذا بالضبط هو ما يعتقده جميع الأبناء عن آبائهم، فكُل إنسان لديه ذلك الشخص الذي يعتقد بأنه الأمان الذي لن يفنى ولن ينتهي وسيظل يلجأ إليه كُلما ضاقت به الحياة. والحقيقة أن هذه هي فطرة الإنسان، فعند ولادتنا لا نبرحُ نبكي إلى أن نستلُّ بين أحضان أُمهاتنا فنشعر بالأمان ونهدأ حينها، وكذا عند دخولنا للمدرسة أو خوض تجرُبة جديدة، فأول ما يتسلل لأنفسنا هو البحث عن ذلك الشخص الذي يُشعِرنا بالأمان. لقد كان خالي رجُل استثنائي حقًا بالنسبة لي، وقد دفعني الفضول لسؤاله ذات يوم عن شخصهُ الاستثنائي الذي يدفعه نحو الحياة، فقال لي :" في فترة من الزمان كان أبي، وبعد وفاته كان ذلك الشخص هو صديقي أحمد، وكذا حتى أرحل عن هذه الدنيا سأستمر في البحث عن ذلك الشخص وسأجدهُ دائمًا، وأنت يا يُوسف لا تتوقف عن البحث عن ذلك الشخص، فلن تستقيم لك حياة حتى تجده! ". إنّ الشخص الاستثنائي قد يكون أكبر نعمه يرزقك اللهُ بها، معه تشع

أنا مُتناقض!

وأنا أدلفُ الثلاثين من عُمري، تغيّر شيئًا كبيرًا في طريقة نظرتي للحياة، فقد أصبحتُ لا أبالي كثيرًا عندما يقول لي أحدهم بأني تغيّرتُ عن السابق. نعم أنا أتغير على الدوام، فلم أعد أكترث حقيقةً بزعل أحد الأشخاص كما كنت سابقًا ما لم أخطأ في حقه، ولم أعد أفضل تناول الوجبات السريعة كما كنت أحبها بجنون في مراهقتي وحتى أنني لم أعد أحمِل خسارة فريقي المفضل نهاية الاسبوع بمحمل الجد، وغيرها الكثير! في الواقع، إن التغيير هو سنة الله في الكون، فالأنظمة الاقتصادية لا تبرح أن تتغير حتى تحافظ على ديمومتها، والمشاريع التجارية لا يمكن أن تقاوم عجلة التغيير الدائمة، فمن يتذكر ثورة مطاعم البرغر في بداية الألفية مرورًا بمطاعم السوشي واللحوم الفاخرة والقهوة المختصة في وقتنا الحاضر، بل وحتى أن الذوق الشخصي يختلف بمرور الأجيال، فمن كانت تستهويه أفلام سعاد حسني في الثمانينات مرورًا بمسرحيات طارق العلي في التسعينات أصبح لا يُرضي ذائقته سوى أفلام ليوناردو دي كابريو ومورغان فريمان في الوقت الراهن! لا تنجرف يا صديقي خلف من يستنقص بفضيلة التغيير ويسخر من عدم التمسك بالآراء تحت مضلة "أنت متناقض"، الحقيقة أن

النوستالجيا!

رُبما وقعت عينيك يومًا على صورة من الماضي، أو شممت عطر والدك المُفضل، أو حتى شاهدت حلقة من برنامجك القديم تسببت بتحريك مشاعر الحنين لديك! الحقيقة أننا جميعًا نحِّنُ إلى الماضي بدرجةٍ نعتقد بأن تلك الأيام هي أفضل ما مرّ وسيمُر في حياتنا، نتذكر رائحة منزلنا القديم، طبخ أمهاتنا اللذيذ وكلمات آبائنا الحانية وحتى صفوف مدرستنا الابتدائية. وعندما يطرح أحدهم سؤالًا عن أفضل الأيام التي عشناها، فإنّ أول ما يتبادر إلى أذهاننا هي أيام الطفولة. ولأصدقك القول يا صديقي، بأن الدموع تكاد تُغرق حروف مقالي هذا وأنا أتذكرُ عطر خالي إبراهيم، تسريحةُ شعره، هيبة صوته عند دخول المنزل ودفئ حضنه عند عودته من السفر! وإن كان الحنين إلى الماضي قد يتسبب في بعض الحزن على ما فات، إلا أنه يُعتبر من الأشياء الإيجابية والتي تدفع الإنسان نحو الحياة، فقد قرأتُ ذات مرة بأن الحنين إلى الماضي أو كما تُدعى 'النوستالجيا' هي آلية دفاع يستخدمها العقل لطرد الأفكار السلبية وتحسين الحالة النفسية للشخص. ورُبما تلاحظ بأن مُتلازمة النوستالجيا تكون في أوجّها عند كبار السن وذلك بسبب شعورهم بالوحدة حينًا أو بسبب تغيّر بعض عاداتهم