ثُمّ ماذا ؟

 قضيتُ ردحًا من الزمن أتوقُ لاقتناء سيارة من نوع مرسيدس، لذا فقد عمِلتُ كساعٍ للبريد عندما بلغتُ الثامنة عشر، ثم انتقلت لمدينة الرياض للعمل في عدد لا محدود من الوظائف بهدف اكتساب المزيد من الخبرة في إدارة المطاعم قبل أن أفتتح مطعمي الخاص لبيع الحنيذ والأكلات الجنوبية، والآن أنا امتلك السيارة التي حلمتُ بها ولكنّي فقدتُ معها مُتعةً لا تُضاهيها مُتعة، مُتعة الوصول لحلم شراء السيارة! هذا ما قاله لي صديقي الجنوبيّ أحمد مغاوي ونحنُ نستقلُّ سيارته الفارهه لحضور أحد المناسبات في مدينة الدمام.

كلمات أحمد هذه انسابت لأعماق نفسي، وكأنه يتحدث بلسان الكثير منّا! فكم هدف حلمنا به وعند الوصول إليه أصابنا الملل والفراغ مُجددًا!

ولو تأملّت حياتك يا صديقي، ستجد أنك مررت بتجربة مُشابهه إلى حدٍ كبير، قد تكون حصلت على الوظيفة التي تطمحُ لها، أو تخرجت من الجامعة التي حلمتَ بها  أو حتى فتحت مشروعك الخاص الذي طالما رافقك إلى سرير نومك كُل ليلة، ثم تبادر لذهنك ذات السؤال، ثم ماذا ؟!

الحقيقة أن ذلك هي طبيعة البشر، بل والدافع الرئيسي لتحقيق المزيد من الانجازات والنجاحات، فمن غير المنطقي أن نتوقف عند أول محطة نجاح ونستنزف جميع نشواتنا فيها ونتوقف عندها لأننا لو فعلنا ذلك فإننا ببساطة سنتحوّل لأشخاص بائسين!

وهذا ما يُعرّفه عُلماء النفس بمصطلح التشبُّع، فالإنسان مهما حقق من نجاح وانجاز إلا أن طبيعته البشرية تفرض عليه عدم البقاء في دائرة الراحة بل تفرض عليه الخروج والتغيير وتبديل مستويات الادرينالين بشكلٍ مستمر ليشعر بأنه لا يزال على قيد الحياة!

وهذا ما دفع المُدرب الاسباني بيب جوارديولا لترك فريق حياته برشلونة، والتوجه لخوض تجربة جديدة مُختلفة رغم النجاحات التي حققها مع النادي الاسباني ورغم الحُب الكبير والدعم اللامحدود الذي يُقدمه له أنصار ولاعبين ومسؤولين النادي، وكان تبريره الوحيد عن سبب رحيله هو البحث عن شغف جديد فقط!

ولهذا، يقترح بعض الاختصاصيين بأن يتم البحث على الدوام عن أهداف وتحديات جديدة إلى جانب وضع عدد من الأهداف الصغيرة والتحديات المنطقيّة داخل هدفك الرئيسي لتجنُّب التشبُّع وتجديد الشغف على الدوام، فمثلًا يُمكنك أن تضع بعض التحديات لمسيرتك الوظيفية ومحاولة التغلُّب عليها، أو حتى ترك وظيفتك الحاليّة والبحث عن وظيفة جديدة ذات تحديات مُختلفة وذلك في إطار التغلب على ذلك الشعور وتجنب رتابة الحياة.

وعلى أي حال، عليك أن تُدرك يا صديقي حقيقة أن جمال الطريق المؤديه للهدف الذي ترغب في الوصول إليه قد تكون أكثرُ متعةً وتشويقًا من تحقيق الهدف نفسه. فكما يقول الروائي والأديب الكولومبي غابرييل غارسيا "المتعة ليست بالوصول لقمة الجبل، بل في تسلّقه"!

لا تبتئِس عندما يُخالجك ذلك الشعور من التشبّع والاكتفاء بعد تحقيق نجاحٍ ما، فمُعظمنا ينتابهُ ذلك الشعور، بل وأن ذلك هو واقع ما نشأنا عليه مُنذ الطفولة، الحماسة والتوق لاقتناء لعبةٍ ما -على سبيل المثال- ثم لا نبرح أن نتركها ونبحث عن أخرى، وهكذا تدور عجلة الحياة ويتجدّدُ الشغفُ في كُل مرّة.

وأخيرًا، عليك أن تؤمِن بأن انجازاتك وأهدافك التي حققتها هي نجاحات تستحقُّ الاحتفاء والتصفيق من الآخرين، وأن تكون فخورًا بها على الدوام، فـ درجتك الجامعية هي حُلم لغيرك والوظيفة التي حصلت عليها هي هدف لآخر يعمل عليها في كُل وقت ومكان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!