خيره!

ماذا لو علِمت يا صديقي بأن جائحة كورونا التي عطلت سير الحياة في عام ٢٠٢٠ قد حالت دون وقوع حربًا نووية كانت ستقضي على نصف البشرية، أو ساهمت بالتقليل من ذوبان الجليدين القطبيين بسبب تحسّن ظاهرة الاحتباس الحراري، أو حتى منعتك من السفر إلى جُزر الفلبين التي تعرّضت لفيضانات أودت بحياة الكثير مطلع العام الميلادي، فـ هل ستُدرك حينها بأن أصعب الأمور تحمل في طيّاتها خير ؟!

دعني أخبرك أيضًا بقصة الرجل الاندونيسي 'سوني سيتياوان' الذي نجى من تحطم طائرة 'ليون آير' في أكتوبر ٢٠١٨ قبالة سواحل جزيرة جاوة بسبب تأخره لمدة عشرُ دقائق فقط عن الإقلاع، لك أن تتخيل مدى الإحباط الذي عاشه بعد وصوله للمطار، ومدى الفرح الذي شعر بهِ عندما علِم بأن الحياة قد مُنِحت له من جديد.

قصّة سيتياوان هذه هي واحدة من آلاف القصص التي تُخبرنا عن مدى لُطف الله سُبحانه وتعالى في تصريف الأمور، والتي نُدرك من خلالها أيضًا مدى محدودية إدراك عقل الإنسان للكثير من الأمور من حوله.

بل ومن أشهر القصص التي تتردد على اسماعنا، هي قصة موسى عليه السلام مع الخضر، فعلى الرغم من أن موسى نبيّ إلا أنه لم يُدرك بأن خرق السفينة كان منجاةً من الفقر، وأن قتل الصبيّ كان صرفًا عن الهلاك، وبأن تشييد الجدار كان حفظًا للحقوق من الضياع.

الحقيقة يا صديقي بأننا جميعًا تمرُّ بنا أيامًا ثِقال، لا نطيقُ العيش معها، ونظن في لحظة بأن العالم بأسره يسير بخطى ثابته للأمام ونحن لا نبرح أماكننا! رُبما كان ذلك بسبب الإخفاق في مقرر دراسي أو عُطل مفاجئ في السيارة أو حتى رفض أحد والدينا ذهابنا في رحلة صيد مع الأصدقاء ثم بعد فترة وجيزة نُدرك بأن الأمر كان خيره!

أذكر في مطلع عام 2013 هاتفني أحد زملاء الدراسة، أخبرني بأنه توظف مُعلم في أحد المُدن التي تبعد 600 كيلو عن منطقتي الاحساء، وقد سرد علي قائمة باسماء الزملاء الذين حالفهم الحظ بالوظيفة والزواج والبعض حتى أنجب مولوده الأول، وأنا لا زلت أدرس!

حقيقةً، لا أخفي عليكم مدى الإحباط الذي عشته آنذاك، فأنا أشاهد جميع زملائي يحققون النجاح في حياتهم واحدًا تلو الآخر وأنا لا زلت لم أتخرج من الجامعة حتى! وبينما كان عقلي مزدحم بسيل الأسئلة التي تبحث عن أسباب تأخرّي في الحياة، أدركتُ قول الله تعالى ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )، حينها أيقنتُ بأن الأمور جميعها تسير وفق تيسير إلاهيّ حكيم، فـ رُبما أننا لا نعلم السبب الحقيقي وراء تأخرنا في أمرٍ ما أو وقوع مصيبة لم نتوقعها ولكن الأكيد أنها تكون لخيره يعلمها الله.

علينا أن نُدرك يا صديقي بأن عِبارة 'الخيره فيما أختارهُ الله' هي ليست مُجرد عبارة نُخفف بها من وطأة الأمر على أحدهم، بل هي منهجٌ حياتيّ يجب أن نستلِهم منهُ الإيمان بالقضاءِ والقدر، فتأخر الوظيفة قد يكون بسبب رزق أكبر ينتظرك، وكذا في الزواج والولد وجميع أنواع الرزق المختلفة، وحتى في بعض المصائب التي تقعُ بك.

وأخيرًا، أتركُ بين يديك هذه الأبيات لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه لتتفكّر وتُدرك مدى لطف الله سبحانه وتعالى في الأمورِ كُلِّها:

فكم لله من لطفٍ خفي .. يدقُ خفاه عن فهم الذكيّ ..

وكم يسرٍ أتى من بعد عسرٍ .. ففرّج كربة القلب الشجيّ ..

وكم أمر تساءُ به صباحًا .. فتأتيك المـسرة بالعشيّ ..

 إذا ضاقت بك الأحوال يومًا .. فثق بالواحد الفرد العليّ ..

ولا تجزع إذا ما ناب خطبٌ .. فكم لله من لطفٍ خفيّ ..


كتبه وحرّره: يُوسف بن عادل 🤍

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!