سِرُّ النجاح في التوازن!

 

قال لي صديقي 'الخبير بعالم السيارات' معلومة لا أعلم مدى صحتها بأن توازن السيارة وثباتها يُعتبر من أكثر المميزات التي تُساهم في زيادة أسعار السيارات، ولهذا السبب يتخطى سعر السيارات الألمانية مثلًا حاجز المئه وخمسون ألفًا في حين أن السيارات الكورية لا تصل إلى هذا الحاجز حتى في أعلى فِئاتها.

بغض النظر عن معلومة صديقي هذه التي لا تبدو بأنها مُهمة لفئة كبيرة منّا -وحتى أنا أيضًا-، إلا أن عبارته تبدو صحيحة جدًا عندما نُطبقها في حياتنا اليومية، فالتوازن هو أهم صفة يجب أن تتوفر لتحقيق النجاح.

فمثلًا، فريق كرة القدم يحتاج بأن يُدافع ويُهاجم بنفس التوازن ليفوز باللقب، وصانعة الحلوى بحاجة لأن توازن بين معاييرها لتصل للوصفه المثالية، وكذا الحلاق والطيّار وحتى الطفل عندما يخطو خطواته الأولى.

جميعنا نحتاج للتوازن في أمور حياتنا، فمُعظمنا زعمنا بأننا سنجتهد بأقصى ما نملك مع بداية العام الدراسي الجديد ولن نسمح لأنفسنا بالخروج حتى نُحقق الدرجات المطلوبة ثم استسلمنا في الاسبوع الثالث! وبالتأكيد أنك سمِعت أحدهم يقول يومًا بأنه سيتبع نظام قاسٍ لإنقاص الوزن وسيكتفي بالتمر والماء ثم استسلم لفشله بعد يومين فقط!

وكذا في الأمور الأخرى، فأنت لا تستطيع أن تحرم ابنك من لعب البلايستيشن ليتفوق في دراسته، أو تحرم ابنتك من وسائل التواصل الاجتماعي بحجة خوفك عليها، وذلك لأن نجاحك في موازنة هذه الأمور هي من تجعل منك أب ناجح وتصنع من ابنائك أشخاص ناضجين ومتوازنين في حياتهم.

وعلى ذلك يُمكن أن تُدرك بوضوح خطأ الأجيال السابقة في تحريم أمور لم تكن كذلك وعدم توازنهم في ذلك، فجميعنا أدركنا بأن قيادة المرأة -مثلًا- لم تكن ذلك الخطأ الشنيع وبداية حقبة الخروج من الدين، وأن الهواتف الذكية كانت شرارة التطوّر على عكس ما كانوا يزعمون بأنه سيتسبب في نشر الفاحشة!

وفي اعتقادي بأن تشدد الأجيال السابقة في بعض الأمور تسبب في نفور البعض وفهم البعض الآخر للدين بشكلٍ خاطئ ومنه خرجت بعض الجماعات التي شوهّت الإسلام عن صورته الحقيقية، وكُل ذلك بسبب فشلهم في تحقيق التوازن!

والحقيقة أن التوازن هو ما جاء به ديننا الإسلامي في الأمور كُلها، فقد جاء في قوله تعالى ﴿وَكَذلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا﴾، فلم يأمرنا الإسلام بأن نترك الحياة ونعتكف في المسجد لدخول الجنة، وكذا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ربعي حنظلة خيرُ دليل في قوله عليه الصلاة والسلام " والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة ".

عليك أن تُدرك يا صديقي بأن التوازن هو سرّ النجاح، متى ما وصلت إليه ستصل للنجاح، كُن متوازن في أمورك كُلها، في تعاملك مع زوجتك وابنائك، في عملك وحتى في ممارسة الأمور الروتينية في حياتك.

لا تحرم نفسك من الحياة وكذا لا تميل كُل الميل، فكما قال الله تعالى ﴿وَابتَغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا﴾.


4 أكتوبر 2020

تعليقات

  1. اخي العزيز هناك نقطة يجب الالتفات إليه وهي تطور جميع الشعوب لا تقوم إلا بحزبين وهما حزب المحافظين وحزب المحدثين وكلاهما له الدور الفعال بالمجتمع بحيث لو طغى احداهما على الاخر احدث خلل وصدام بالمجتمع ، وبالتالي وجودهما مهم لعميلة الأتزان كما ذكرت ...

    ردحذف
    الردود
    1. رائع أخوي عبدالعزيز، وأعتقد بأن وجود أحد هذين الحزبين في السُلطة سيتسبب بانهيار النظام في ذلك البلد ..
      فمن الضروري أن يجد الحاكم خط التوازن على الدوام ..

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!