القلق من المجهول!

 القلق، القلق، القلق، لا يبدو أحدًا منّا لم يُعاني يومًا من القلق.
عندما كنتُ في السادسة من عمري وبعد فقدان أبي بثلاثِ سنوات فقط، أجرت والدتي عملية جراحية ومن هُنا بدأت رحلتي مع هاجس (القلق)!

في إحدى صباحات يناير الباردة دخلت والدتي المستشفى لإجراء عمليتها في أحد مستشفيات الدمام، وحقيقةً يومها لم يبدو وجه خالي مستبشرًا وسعيدًا، حتى أننا لم نستمع -كما هو مُعتاد- أثناء رحلتنا إلى الدمام لمحمد عبده وهو يُغني "ياليل خبرني عن أمر المعاناة هي من صميم الذات ولا أجنبية"! فـ خالي يبدو بأنه قد اكتفى من مُعاناة ذلك اليوم قبل أن يبدأ، ومُنذ ذلك الحين كان لقائي الأول مع القلق.

بفضل الله عز وجل خرجت أمي من العملية تلك بصحة جيدة وانتهى كُل شيء على ما يُرام، ولكنني لا زلت أعاني من القلق، حتى أنني كنتُ أتحسسُ قلب أمي منتصف كُلّ ليلة بين الحينِ والآخر ليطمئن قلبي وأنام!

استمرّ الحال هكذا لفترة من الزمن، حتى دخلت إلى المدرسة وابتدأ قلقٌ آخر، قلق الحياة المدرسية والصحبة الجديدة، وتحذيرات الأهل من رفقاء السوء ومن الفشل في أحد المواد والتأخر عن أقراني، ثم مضى معي القلق لا يتركني حتى نهاية آخر سنة دراسية، لينتهي ويبدأ قلق القبول في الجامعة ثم التخرج والوظيفة.

وبعد أن منّ علي الله بتحقيق كُل ذلك، بدأ قلق من نوعٌ جديد، قلق لا يُشابههُ شيء، القلق من المجهول!

لا يكادُ هذا القلق يُفارقني يومًا، فمن قلقي من حياتي كيف ستكون بعد الزواج إلى قلق الحياة مع المولود الجديد، ثم قلقي من فقدان الوظيفة وكُل ذلك كان لأسباب مجهوله لا أصل لها، إلى أن أتت اللحظة التي أيقنتُ من خلالها أن ذلك هو ما يُدعى بالقلق وهو اللذي حرمني من عيش اللحظة والاستمتاعُ بها.

والحقيقة أن ذلك هو حال أغلبُ الناس مع ما يُسمى بالقلق، الخوف من لا شيء!

وبعد صراع مع الحياة، يومًا أتلقى منها درسًا ويومًا تمنحُني كنزًا أدركتُ بأنها لا تستحق كُل هذا القلق!

أدركت بأن الحياة تمشي بخطوات سريعة جدًا، لن تتوقف، ستمضي وتنتهي، أدركت بأن الاستمرار في القلق هو أن تحرم نفسك من لذة الحياة والاستمتاعُ بتفاصيلها، فالحقيقة أنه لا يوجد سبب حقيقي لإستباق الأحداث وانتظار المصيبة قبل وقوعها!

لا تستبق الأحداث وعِش اللحظة، يقول الشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي عن القلق من وقوع المصيبة: ولك أن تعرف بأن الخالق سبحانه وتعالى عندما تأتي المصيبة فهو برحمته يُنزل معها اللطف، فإنك إن عشت في المصيبة قبل وقوعها فأنت ستكون قد عشتها بدون لطف الله الذي سينزلُ مع المصيبة.

لا تجعل القلق يحرمُك من الحياة يا صديقي، أقبل على الحياة وتعلم أشياء جديدة، خُض تجارب مختلفة واستمتع قبل فوات الأوان!

                                                                                                                       
سأكون مُمتن لمن يُشاركني أي ملاحظة أو إنتقاد عبر بريدي الإلكتروني:
‏Yosuefad@gmail.com

17 أغسطس 2020

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!