فضيلةُ الصمت وفنُّ الاستماع!


عندما كنتُ في المرحلة الثانوية -عام ٢٠٠٨- كان أحد أصدقائي قليل الكلام، لدرجة كان يعتقِدُ بها البعض بأنه يُعاني من مُشكلةً ما.

وأتذكرُ جيدًا حينها بأن بعض الأصدقاء كانوا ينعِتونه سُخريةً بلقب 'رفيقُ الصمت'، ولأصدقكم القول بأن صمت صديقي عبدالرحمن كان يُثير فضولي ويجعلني أتحدث معه أكثر من أي أحد آخر.

فعندما أتحدث معه أشعر حقًا بأن كلماته لها أثرُ السحر على خلايا دماغي، وهدوءه يبعثُ في نفسي الطمأنينة، وعندما أُخبِرهُ بموضوعٍ ما أشعرُ بأن العالم بأسره يسمعني في تلك اللحظة.

حقيقةً لم يكن عبدالرحمن مُجرد صديق مرّ علي أثناء رحلتي الدراسية، بل كنتُ تلميذًا استلهمُ منه فنّ الصمت وجمال الحديث.

وقد قال لي مرّةً :" يُوسف، أتعلمُ بأن الصمت ثروة لا يعلم عنها الكثير من الناس؟ فالصمت يُجنبك الدخول في المشاكل، ويمنح عقلك فرصة ترتيب أفكاره ليجعلك تُقابل الناس بأبهى صورة لك، ولتعرف قيمة الصمت، فقد جعله الله عز وجل آية لزكريا عليه السلام، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحنّث (أي يتعبد) في غار حراء بعيدًا عن البشر باحثًا عن الصمت والهدوء".

وقد قرأتُ مرةً في نصائح جاكسون براون لابنه -عند قبوله في الجامعة- نصيحته الذهبية التي يقولُ فيها :" تعلم كيف تستمع فالفرص الخفية تحتاج لأذن قوية".

وهذا حقًا ما يحصل في قصص الناجحين، فمُعظم الفرص 'السخيفة' وجدت أذن قوية وثقت بها وطورتها ووصلت بها لتدخُل كُل أُذن.

ولك أن تُدرك بأن فضيلة الصمت وفنّ الاستماع دائمًا ما ترتبط مع الابداع والنجاح، فـ ريشة دافنشي لم تكن ستبلُغ هذا الاتقان لو لم يتعلم فنّ الصمت، ومبيعات ديل كارنيجي لم تكن ستُحقق هذا النجاح لو لم يُنصت للآخرين بشغف.

عليك يا صديقي أن تُجرّب فنّ الصمت والاستماع للآخرين، فإنك ستجدهم يتقرّبون لك، يثقون بك، ولا يملّون مجلسك، وأقصدُ هُنا ليس الاستماع بالأذن فقط، بل أن تترُك جوالك في وضع الطيران وتُنصِت لهم بقلبك وجميع حواسك، تُنصت كما يُنصت كارنيجي،بشغف!

سأكون مُمتن لمن يُشاركني أي ملاحظة أو إنتقاد عبر بريدي الإلكتروني:
‏Yosuefad@gmail.com

٧ سبتمبر 2020

تعليقات

  1. مقال في غاية الروعة وبالمناسبة الصمت يحلو اكثر ويكون ذو فائدة أنجع في بعض ردات الفعل
    فليس من المهم عليك الرد على كل مستفز
    او التعامل بعصبيه تجاه بعض تصرفات اولادك السلبيه
    قد تكون خزه بالعين وبصمت مطبق تفي بالغرض بدل الصراخ الزعيق
    فعلوا لغة الإشارة يا ساده ولغة الرمز ففيها برأيي القاصر دلالة على التحضر

    ردحذف
  2. ( الصمت يمنحك متعة التنزه في عقول الآخرين) جورج برنارد شو.
    احسنت استاذ يوسف على هذه المقالة الرائعة والقيمة ،،

    ردحذف
  3. الصمت وحسن الاستماع كنز ثمين.. مقاله جميله شكراً لك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!