أنت صح!

 قرأت لنجيب محفوظ هذا النص الجميل:

عندما تتحول فجأة لشخص لا يُعاتب أحدًا، يتجنب المُناقشات التي لا جدوى منها، ينظر للراحلين عنه بهدوء، ويستقبل الصدمات بصمتٍ مريب، فاعلم أنك بلغت أقصى مراحل النضج!

ولأصدقكم القول، أن صفة تجنّب النقاشات هذه باتت هي أقرب الصفات التي حظيتُ بها مُنذ أن بلغت عقدي الثالث قبل سنتين، حيثُ أدركتُ تمامًا بأن لا طائل من النقاشات العقيمة. توصلت لقناعة بأنك على صح يا صديقي حتى يتبيّن لك عكس ذلك.

أنا مؤمن تمامًا بأن لك الحق في أن أُبيّن لك الحقيقة التي قد تكون غائبة عنك ولكن ذلك لن يأخذ مني أكثر من محاولتين إلى ثلاث بالكثير!

هذا صديقي العزيز جدًا عبدالعزيز، مع بزوغ فجر لقاحات كورونا مطلع العام 2021، كنت أتناقش معه بشراسة بأن هذه اللقاحات ستكون آمنة بحول الله، وأشرح له الفتح الكبير الذي منحنا إياه رب العالمين بالتقنيات التي توصل لها العلم الحديث في علم اللقاحات، وكانت إجابته في كل مرة بأن ما يحدث هو مؤامرة مُدبّرة من بيل غيتس والغرب!

عبدالعزيز استمر في إرسال التغريدات التي تؤيّد رأيه، وأنا استمريت بتفنيدها بالأدلة العلمية، حتى وصلت لقناعة بأنك تستطيع أن تُغيّر جبل من مكانه ولكن لا تستطيع بأن تُغيّر قناعة شخص متعصب لرأيه، والحقيقة أنّي توصلت لقناعة بأني لستُ بحاجة لتغيير رأيه أصلًا.

لا ليس ذلك فحسب بل توصلت لإيمان بأن لكُل منا رأي خاص به، قيم ومعتقدات يعيشُ بها، قد يكون له نصيب من الصواب ولي نصيب مثله، قد نكون كِلانا على صواب، الحقيقة أنه لا بأس في ذلك يا صديقي، كمن يؤمن مثلًا بأن ريال مدريد هو أعظم فريق على مر العصور -كما أزعم أنا- ومن يرى بأن برشلونة هو الفريق الأمتع مُنذ مطلع الألفية الجديدة!

أذكر في مرّة كتبت على تويتر ردًا على شخص أتّهم جميع المشاهير بأنهم مُجرد حمقى يتّبِعهم مجموعة من السُفهاء بسبب مقطع انتشر حينها، طرحت وجهة نظري-التي أزعم بأنها أقرب إلى الصواب- بأن ليس جميع المشاهير حمقى، بل ثُلة قليلة منهم كما يصف هو وآخرين يُقدّمون إضافة جيّدة للمُتابع، وإذا بسيل من التغريدات الهجومية تنهمر عليّ!

وفي الواقع أنيّ لم أكن لأكترث كثيرًا بالرد على مُعظم تلك التغريدات حيث كان معظمها هجوم على شخصي وليس ردًا على وجهة النظر التي طرحتها، لم يكن معظم المغردين على استعداد لمناقشة الفكرة، كانوا متعصبين تمامًا لرأي ذلك المغرد بأن جميع المشاهير حمقى، لذا فإن مثل هؤلاء لن تستطيع أن تُغيّر رأيهم مهما اجتهدت، وأنت أصلًا لست بحاجة لذلك، فـ كلًا منا يعيش في عالمه الخاص!

هُنا تُدرك يا صديقي بأنك في الحقيقة لستَ مُطالبًا بالرد على جميع الناس، لستَ مُجبرًا بأن ترد على كل وجهات النظر ولا أن تُناقش كل فكرة ولا حتى تكترث بجميع الفيديوهات والآراء التي يتم تداولها خصوصًا في ظل التوسع الهائل الذي نعيشه بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.

أرح بالك يا صديقي، ومتى ما شعرت بأن النقاش لا طائل منه قل أنت صح!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!