شعرتي البيضاء!

قبل بضعة أشهر قليلة قرّرت شعرة واحدة من شعر لحيتي بأنّ تتخلف عن نظيراتها الشُعيرات الأخرى وتّتخذ لونًا مُخالفًا لهم لتكتسي باللون الأبيض.

العلم الحديث يزعم بأن ذلك بسبب نقص صبغة الميلاتونين في الجسم، فكُلّما تقدّم الانسان في العُمر نقصت هذه الصبغة وبالتالي يتغيّر لون الشعر الى اللون الأبيض، أما عُلماء النفس فيقترحون بأن ذلك بمثابة احتجاجٌ طبيعيّ من الجسم تُجاه الضغوطات النفسية والقلق التي يتكبّلها بين الحين والآخر!

أما أنا، فـ أزعُم بأن هذه الشعرة قد اضائت في قلبي ما يُضيئه البدرَ في صحراء قاحلة شديدةُ الظلام! هذه الشعرة أتت لتُخبرني بكُل لطف بأني قد أعطيت الحياة من هموم وتفكير أكثر مِمّا تحتمل، بصيغة أخرى، أتت هذه الشعرة لتُخبرني بأن الحياة قصيرة، والعمر يمضي وأنا لا زلت لم استمتع كما يجب أن استمتع!

ثمّة مقولة أخبرني بها صديقي علي في أحد المرّات وأنا أتناقش معه لا زالت ترسخُ في ذهني، صديقي علي كانت ابنته قد عانت من مرضٍ ما مُنذ ولادتها، ثم أدرك حينها بأن جميع الصراعات التي كان يخوضها مُجرد معارك خاسرة لا قيمة لها!

يقول لي علي وقد رأيت الدموع تحتبس عينيه لتُحافظ على هيبته ومكانته أمامي وتُخفي ضعفه الذي بدا واضحًا على جبينه "الدنيا بجميع معاركها لا تستحق أن تُحملها أكثر مما تحتمل، خسرت في سوق الأسهم ؟ ستجني أرباحًا في اليوم التالي، لم تحصل على تقدير كافٍ في عملك، سيرزقك الله بترقية تُنسيك ذلك، تأخرت قليلًا عن عملك بسبب زحمة الطريق ورعونة بعض السائقين ؟ ستصل وجهتك! ولكن ثمّة أمور أنت ليس لك سُلطان عليها، ستجعلك حزينًا وقد لا تنام الليل من التفكير بها مثل مرض ابنتي مثلًا! مع ذلك أنا أُدرك بأن الأمر سينتهي على أي حال وسأواصل الحياة وأبدأ من جديد، هكذا الحياة حتى نُغادرها! "

وقد سمِعتُ مقطعًا لأحد المشايخ يقول بحكمة، كم ستعيش في هذه الدنيا ؟ ٧٠ عامًا ؟ ٨٠ عامًا ؟ ١٠٠ عام أو ١٢٠ عام ؟ وكم ستعيش في حياة البرزخ ؟ ١٠٠٠ عام ؟ ٢٠٠٠ أو ٣٠٠٠ أو حتى ٥٠٠٠ عام ؟ ثم ستُخلّد إما في جنة أو نار، فلماذا كُل هذا القلق والخوف من المستقبل وأنت في أقصى عمرك ستعيش حتى سن الـ ١٢٠ عام ؟! اعمل لآخرتك ولا تنسى نصيبك من الدُنيا، دع القلق واستمتع بالحياة!

الحقيقة أن هذه الشعرة البيضاء وكلام صديقي علي والشيخ الجليل في حديثه، جميعها أمور تأتي لتُخبرنا بأن نستمتع بهذه الأعوام القليلة التي منحنا اياها الله تعالى وبأن نعمل لآخرتنا فهي دار البقاء، أما المعارك التي نخوضها هي مُجرد معارك خاسرة في نهاية المطاف، فحتى لو ربحت المعركة فأنت خسرت من جهدك ووقتك ورُبما صحّتك ما لن يعوّضك عنه أحد!

أخيرًا دعوني أخبركم، بأن هذه الشعرة ستبقى دون أن تُقطف، لا زلت أؤكد على الحلاق في كُلّ مرّة بأن يدعها تُضيء لحيتي وبصيرتي وتُذكّرني بأن استمتع بالحياة، ثُمّ أن أُمي طلبت مني بأن أدعها، فكما تقول "الشيب وقار" وهذا سبب كافٍ تمامًا لأدعها مع أخواتها السوداوات! 😅

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ثُمّ ماذا ؟

الهشاشة النفسيّة!

وباء كورونا ما بين المبالغة والواقع!