أمي تقول: سيّد القوم خادمهم!
تقول أمي وهي تناولني كوب الحليب في ليلة شتاء باردة مُبرّرةً خدمتها لي "سيّد القوم خادمهم يا يوسف" وكأنها أرادت بذلك أن تغرِس في داخلي مبدأً من ذهب، لا مجاملة ولا ضعف فيه، بل قمة القوة والرفعة الا وهي خدمة الآخرين.
أما غاندي فيقول "أفضل وسيلة لتجد نفسك، أن تكرّس نفسك في خدمة الآخرين"، حيثُ أدرك غاندي بأن من أعظم طرق كسب القلوب أن تخدم الآخرين كما تحب أن يخدموك، وأن تبادر بالعطاء قبل أن يُطلب منك، فمدّ يد العون لا يُقلّل من قدرك، بل يرفعك درجات!
وهذا بالضرورة ما يجب أن تُدرِكهُ يا صديقي، فمنذ بضعة سنون مضت تعلّمت قيمةً مُضافة وسر من أسرار كسب القلوب وهي أن تخدم الناس كما تُحب أن تُخدم، أن لا تتوانى ولا تتأخر عن مد يد العون وتقديم ما تستطيع تقديمه برحابة صدر.
يقول العالم والفيلسوف الألماني ألبرت شفايتزر :" غرض الحياة البشرية هو أن نخدم، ونُظهر التعاطف، ونملك الإرادة لمساعدة الآخرين" حيث يزعم ألبرت بأن المبادرة في خدمة الناس والتعاطف معهم تُعد من أنبل الصفات التي تمكّن الإنسان من كسب قلوب الآخرين والتأثير فيهم.
ولعليّ أدركتُ ذلك جيدًا عندما أصبحتُ رئيسًا للمختبرات مؤخرًا، حيثُ أدركت بأن أسهل طريقة وأقصر سبيل للنجاح هو أن تُشارك فريق عملك إنجاز مهمةٍ ما.
فعندما ترغب في إعداد الجرد السنوي، كُن أوّل من يُسلّم ملف الجرد النهائي، وعندما تقوم بإعداد دليل للتجارب العملية -مثلًا- فإن أكثر طريقة ستُحفّز بها الموظفين هي وضع اسمك ضمن الفريق الذي سيقوم بإنجاز المهمّة!
وفي ذلك يا صديقي أمرين مُهمّين، الأول هو أن تُحفّز فريقك على العمل والإنجاز، وتغرس فيهم روح الفريق الواحد، أما الأمرَ الآخر والأكثرُ أهمية هو أن تخوض التجربة بنفسك لتلامس واقع العمل عن قرب، وتتعرف على التحديات والصعوبات التي يواجهها فريقك فتسعى إلى معالجتها وتجاوزها بكفاءة واقتدار.
ولعلّ أكبرُ مثل نقتدي به في هذا الجانب، هو ما كان يتّبعه سيد ولد آدم، نبيّنا مُحمد ﷺ، حيث كان يكنِسُ بيته، ويرقعُ ثوبه، ويخدِمُ صحبه، في تجلٍ واضح لأهمية العمل وإلهام القائد.
ولا شكّ بأن البيئة التي تسود فيها فكرة أن "سيّد القوم، خادمهم" هي أكثر البيئات والمجتمعات التي تُبنى على الاحترام والثقة والإنجاز المستمرّ.
تعليقات
إرسال تعليق